
في حياة البشر، لا شيء يضاهي روعة الاختلاف. عندما تتأمل تفاصيل يومك، ستكتشف أن تنوع الأفكار والأذواق هو ما يمنح الحياة مذاقها الخاص.
ربما تشعر أحيانًا أن اختلاف الناس يخلق التوتر أو سوء الفهم، لكن لو فكرت في الأمر بعمق، ستجد أن الاختلاف هو الدافع الأول لكل حوار وكل تطور.
تذكر حين دخلت إلى قاعة الدرس أول مرة؛ لم يكن كل من حولك يشبهك تمامًا. بعضهم كان هادئًا، وآخرون كثيرو الكلام. البعض يحب الأدب، والبعض الآخر يفضل الأرقام. هذا التنوع يؤسس لبيئة صحية، لأن كل واحد يحمل زاوية نظر مختلفة، وكل فكرة جديدة تفتح بابًا آخر للتجربة.
لو عدنا إلى صفحات الأدب، سنجد أن الروايات الكبرى لم تكن لتحقق النجاح لولا اختلاف شخصياتها وتعقّد طباعهم. انظر إلى “تاج الشرق” في رواية نجيب محفوظ؛ كان اختلاف الأمكنة والشخصيات خلفًا غنيًا للحكاية التي بقيت في الذاكرة.
ليس الاختلاف فقط في الرأي، بل في التجربة ذاتها. وحتى في قصة الحب أو الصداقة، ما يضفي السحر على العلاقة هو تلك اللحظة التي يكتشف فيها الطرفان أنهم لا يشبهان بعضهم، لكنهم قادرون معًا على تشكيل نغمة فريدة. الاختلاف هو زيت محرك الإبداع البشري.
في كل نقاش هادئ داخل مقهى، في كل سؤال تطرحه على صديق، في كل قرار تتخذه وأنت تفكر: لماذا اختار الآخر طريقًا غير طريقي؟ هكذا تتعلم، تتطور، وتعيد اكتشاف نفسك من خلال عيون الآخرين. حتى الفلاسفة الكبار، من سقراط إلى سارتر، ظلوا يؤمنون بأن الأسئلة التي تطرحها اختلافاتنا هي بوابة الحقيقة.
وما دام الحوار قائمًا، فهناك أمل بأن نصل إلى نقطة التفاهم المشترك ولو بعد حين. لذا، لا تتردد في الاحتفاء بالاختلاف. جاملْ الصديق الذي يخالفك في الرأي، وابتسم في وجه الغريب الذي يحمل قيمًا غير مألوفة. فالاختلاف ليس بحاجة إلى حل، بل بحاجة إلى فهم وقبول. ولا تنسَ: في عالمٍ بلا اختلاف، لن تجد قصصًا تروى ولا إبداعًا يُولد. في النهاية، كل اختلاف هو فرصة جديدة لنا لنكتب فصلًا أجمل في كتاب الحياة.






